حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٣٣ لسنة ٣٧ دستورية
١١ - ١١ - ٢٠٢١
عدم دستورية
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (٣٥) من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٦٩ بشأن نقابة الأطباء البيطرين ، فيما نصت عليه من أن " لخمسين عضواً على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية ، الطعن فى صحة انعقادها أو فى تشكيل مجلس النقابة ، بتقرير موقع عليه منهم يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض ، بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة " ، "وتفصل محكمة النقض فى الطعن فى جلسة سرية " ، وسقوط باقى أحكام تلك المادة .
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس مــــن نوفمبر سنة ٢٠٢١م، الموافق الأول من ربيع الآخر سنة ١٤٤٣ هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم ١٣٣ لسنة ٣٧ قضائية دستورية بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى (الدائرة الثانية)، بحكمها الصادر بجلسة ١٧/٥/٢٠١٥، ملف الدعوى رقم ١٧٧٤٠ لسنة ٦٦ قضائية.
المقامة من
عبده محمد محمد أحمد الشواف
ضد
١- وزيــــــــر العدل
٢- وزير الصحة
٣- وزير الزراعـة
٤- رئيس اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات نقابة الأطباء البيطريين
٥- رئيس اللجنة القضائية الفرعية المشرفة على انتخابات نقابة الأطباء البيطريين
٦- رئيس اللجنة العليا للانتخابات والمشرفة على انتخابات نقابة الأطباء البيطريين
٧- نقيب الأطباء البيطريين
الإجـراءات
بتاريخ السابع عشر من أغسطس سنة ٢٠١٥، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم ١٧٧٤٠ لسنة ٦٦ قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بجلسة ١٧/٥/٢٠١٥، بوقف الدعوى تعليقًــا وإحالة الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصــــل فــــى دستوريــــة المادة (٣٥) من القانــــون رقـــــــم ٤٨ لسنة ١٩٦٩ بشأن نقابة الأطباء البيطريين.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة ٨/٥/٢٠٢١، وفيها قررت المحكمة - إعمالاً لسلطتها المقررة بنص المادة (٢٧) من قانونها الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩ - إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين، لتحضيرها فى شأن ما نصت عليه الفقـــرة الأولى مـــن المادة (٣٥) من القانـــون المشار إليه من أن لخمسين عضوًا على الأقل، ممن حضروا الجمعية العمومية الطعن فى صحة انعقــــــــــــــادها أو فى تشكيل مجلس النقابة، بتقرير موقع عليه منهم، يقدم إلى قلم كتاب محكمــــــــــــــــــة النقض، خلال ١٥ يومًـــــا من تاريخ انعقادها، بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة، وكذلك عبارة فى جلسة سرية ، الواردة بالفقرة الثانية من المادة ذاتها.
وقد أودعت هيئة المفوضين تقريرها التكميلى فى الدعوى.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة ٩/١٠/٢٠٢١، وقدمت فيها هيئة قضايا الدولة مذكرة، طالبة الحكم، أصليًا: بعدم قبول الدعوى لزوال شرط المصلحة، واحتياطيًا: برفض الدعوى. وقررت المحكمة بالجلسة ذاتها إصدار الحكم فى الدعوى بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وســـائر الأوراق – فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم ١٧٧٤٠ لسنة ٦٦ قضائية، أمام محكمة القضاء الإدارى، طالبًــا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار إعلان نتيجة انتخابات نقابة الأطباء البيطريين الفرعية بمحافظة الدقهلية، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعادة الانتخابات مجددًا بإجراءات قانونية صحيحة. وذلك على سند من أنه كان قد تقدم بطلب للترشح على مقعد نقيب الأطباء البيطريين بالدقهلية، ثم عدل عن الترشح، وقد أجريت الانتخابات بتاريخ ٢٣/١٢/٢٠١١. وينعى على قرار إعلان نتيجة الانتخابات، ابتناءه على إجراءات باطلة، إذ تبين له من مراجعة كشوف الناخبين – التى لم توزع إلا قبل العملية الانتخابية بساعات قليلة - عدم تنقية جداول الناخبين، وعدم اشتمالها على أسماء بعض الأطباء. وبجلسة ١٧/٥/٢٠١٥، قضت المحكمة بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية المادة (٣٥) من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٦٩ بشأن نقابة الأطباء البيطريين، لما ارتأته من أن ما ورد فى ذلك النص من اختصاص محكمة النقض بالفصل فى المنازعات الانتخابية لأعضاء مجلس نقابة الأطباء البيطريين– بالرغم من طبيعتها الإدارية – إنما يقع مخالفًــا لنص المادة (١٩٠) من دستور سنة ٢٠١٤، الذى خص مجلس الدولة دون غيره الاختصاص بالفصل فى جميع المنازعات الإدارية.
وحيث إن المادة (٣٥) من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٦٩ بشأن نقابة الأطباء البيطريين تنص على أنه لخمسين عضوًا على الأقل، ممن حضروا الجمعية العمومية الطعن فى صحة انعقادها أو فى تشكيل مجلس النقابة، بتقرير موقع عليه منهم، يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، خلال ١٥ يومًــا من تاريخ انعقادها، بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة، ويجب أن يكون الطعن مسببًــا وإلا كان غير مقبول شكلاً.
وتفصل محكمة النقض فى الطعن على وجه الاستعجال فى جلسة سرية وذلك بعد سماع أقوال النقيب أو من ينوب عنه ووكيل عن الطاعنين.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى المعروضة لزوال مصلحة المدعى، لكون طلباته فى الدعوى الموضوعية تتعلق بوقف تنفيذ وإلغاء قرار إعلان نتيجة انتخابات نقابة الأطباء البيطريين بالدقهلية التى أجريت عام ٢٠١١، وإذ انتهت تلك الدورة الانتخابية، ودورات انتخابية تالية، فإن الفصل فى دستورية النص التشريعى المحال لن يرتب أثرًا أو انعكاسًا على الطلبات فى الدعوى الموضوعية، فهذا الدفع مردود: ذلك أن المصلحة فى الدعوى الدستورية، وهى شـــــــــرط لقبولهـــــــــا، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى فى شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر شرط المصلحة فى الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس الفصل فى دستورية النص التشريعى المحال على النزاع الموضوعى، فيكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازمًــا للفصل فى ذلك النزاع. كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن المصلحة فى الدعوى الدستورية قوامها أن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازمًــا للفصل فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو فى شق منها فى الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول وقف تنفيذ وإلغاء قرار إعلان نتيجة انتخابات نقابة الأطباء البيطريين بمحافظة الدقهلية. وكان الفصل فى اختصاص محكمة الموضوع بنظر الطعن فى القرار المشار إليه، هو من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية تلك المحكمة فى نظر النزاع والفصل فيه، ومن أجل ذلك كان التصدى له سابقًـــــا بالضرورة على البحث فى موضوعها. وإذ شرعت محكمة الموضوع فى الفصل فى الدعوى، فأقصاها صدر نص الفقرة الثانية من المادة (٣٥) من قانون نقابة الأطباء البيطريين الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٦٩، الذى عقد الاختصاص بالفصل فى تلك المنازعة لمحكمة النقض، ومن ثم فإن المصلحة فى الدعوى الدستورية تكون قائمة، ويتحدد نطاقها بما ورد بالفقرة الثانية من المادة (٣٥) السالفة البيان، من أن وتفصل محكمة النقض فى الطعن ...، ذلك أن للقضاء فى دستوريتها أثرًا وانعكاسًــــــا على مدى اختصاص محكمة الموضوع بالفصل فى الطلبات المطروحة فى الدعوى الموضوعية، بما يجعلها مطروحة حكمًــا على هذه المحكمة لتقول كلمتها فى مدى اتفاقها مع أحكام الدستور، دون النظر إلى انتهاء الدورة الانتخابية، الأمر الذى يغدو معه الدفع بعدم قبول الدعوى لزوال شرط المصلحة فى غير محله حقيقًا بالرفض.
وحيث إن الاختصاص المنوط بهذه المحكمة بنص المادة (٢٧) من قانونها الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩، التى تخولها الحكم بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارستها لاختصاصاتها، ويتصل بالنزاع المعروض عليها، مؤداه أن مناط تطبيقها يفترض وجود خصومة أصلية طُــرح أمرها عليها وفقًــا للأوضاع المنصوص عليها فى قانون إنشائها، وأن ثمة علاقة منطقية تقوم بين هذه الخصومة، وما قد يثار عرضًــا من تعلق الفصل فى دستورية بعض النصوص القانونية بها، ومن ثم تكون الخصومة الأصلية هى المقصودة بالتداعى أصلاً، والفصل فى دستورية النصوص القانونية التى تتصل بها عرضًــا، مبلورًا للخصومة الفرعية التى تدور مع الخصومة الأصلية وجودًا وعدمًــا، فلا تقبل إلا معها، وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة التى لا تعرض لدستورية النصوص القانونية التى تقــــوم عليها الخصومــــة الفرعية إلا بقدر اتصالها بالخصومة الأصلية، وبمناسبتها. وشرط ذلك أن يكون تقرير بطلان هذه النصوص أو صحتهـــــا مؤثرًا فى المحصلة النهائيـــــة للخصومـــــة الأصلية أيًّــا كان موضوعهـــــا أو أطرافها، مما مؤداه: أن مباشرة هذه المحكمة لرخصتها المنصوص عليها فى المادة (٢٧) من قانونها، يستلزم توافر عدة شروط، أولها: استيفاء الخصومة الأصلية لشرائط قبولها. وثانيها: اتصال بعض النصوص القانونية عرضًــا بها. وثالثها: تأثير الفصل فى دستوريتها فى المحصلة النهائية للخصومة الأصلية.
وحيث إن الفصل فى دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (٣٥) من قانون نقابة الأطباء البيطريين الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٦٩، فيما أورده فى صدره من اختصاص محكمة النقض بالفصل فى الطعـــــــن - فـــــــى صحـــــــة انعقـــــــاد الجمعية العمومية أو تشكيل مجلس النقابة - وثيق الصلة بما ورد بنص تلك الفقرة من عبارة فى جلسة سرية ، وكذلك وثيق الصلة بما تضمنته الفقرة الأولى من هذه المادة من تحديد للقواعد المنظمة لاتصال تلك المحكمة بهذا الطعن، فاشترطت أن يتم الطعن من خمسين عضوًا على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية، بتقرير موقـــــع عليه منهـــــم، يقـــــدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، خلال ١٥ يومًــا، وبشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة. ومن ثم، يمثل نص تلك المادة، فى مجمل أحكامه، منظومة متكاملة للطعن على قرارات من طبيعة واحدة، يتعين على هذه المحكمة أن تجيل ببصرها فيها، على ضــــوء نظــــرة شــــاملة تحيــــط بهــــا، وتحــــدد فــــى ضوئهــــا دستوريتهــــا، وهو ما حدا بالمحكمة إلى استخدام رخصتها فى التصدى المقررة لها بمقتضى نص المادة (٢٧) من قانونها، بشأن ما ورد بالفقرة الأولى من المادة (٣٥) من قانــــــــون إنشــــــــاء نقابــــــــة البيطرييـــن الصــــادر بالقانــــون رقــــم ٤٨ لسنة ١٩٦٩ مــــن أن لخمسين عضوًا على الأقل، ممن حضروا الجمعية العمومية الطعن فى صحة انعقادها أو فى تشكيل مجلس النقابة، بتقرير موقــــــــــــع عليه منهــــــــــــــم، يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، خلال ١٥ يومًــا من تاريخ انعقادها، بشرط التصديــق على التوقيعــات مــن الجهــة المختصــة ، وكذلــك عبــارة فى جلسة سرية الواردة بالفقرة الثانية من المادة ذاتها.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفته نص المادة (١٩٠) من دستور سنة ٢٠١٤، التى قضت بأن مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية .....، وأن النقابات المهنية من أشخاص القانون العام، وتقوم على إدارة مرفق عام، ومن ثمَّ، فإن ما يصدر عنهــــــــــــــا من قرارات تكون من طبيعة إدارية، مما ينعقــــــــــــد الاختصاص بنظرها لمجلس الدولة، فلا يجوز للمشرع أن ينتزعها من مجلس الدولة ليسند الاختصاص بنظرها إلى جهة قضائية أخرى.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جـــرى على أن المشرع الدستورى، بدءًا مـــــن دستور سنة ١٩٧١ قــــــد حرص علـــــى دعـــــم مجلس الدولـــــة، الــــــذى أصبح منذ تنظيمه بنص المـــــادة (١٧٢) منه جهة قضــــــــــاء قائمة بذاتها، محصنة ضد أى عدوان عليها أو على اختصاصها المقرر دستوريًّا عن طريق المشرع العادى، وهو ما أكده الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ ٣٠/٣/٢٠١١، الذى أورد الحكم ذاته فى المادة (٤٨) منه، وكذلك المادة (١٧٤) من الدستور الصادر بتاريخ ٢٥/١٢/٢٠١٢، وأخيرًا المـــــــــــادة (١٩٠) من الدستور الحالى التى تنص على أن مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية ........ ولم يقف دعم المشرع الدستورى لمجلس الدولة عند هذا الحد، بل جاوزه إلى إلغاء القيود التى كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، فاستحدث بالمادة (٦٨) من دستور سنة ١٩٧١ نصًّا يقضى بأن التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، وأن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل فى القضايا، ويحظر النص على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، وهو ما انتهجه نص المادة (٢١) من الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ ٣٠/٣/٢٠١١، ونص المادة (٧٥) من الدستور الصادر بتاريخ ٢٥/١٢/٢٠١٢، وقد سار الدستور الحالى على النهج ذاته فى المادة (٩٧) منه، وبذلك سقطت جميع النصوص القانونية التى كانت تحظر الطعن فى القرارات الإدارية، وأزيلت جميع العوائق التى كانت تحول بين المواطنين والالتجاء إلى مجلس الدولة بوصفه القاضى الطبيعى للمنازعات الإدارية. وإذ كان المشرع الدستورى بنصه فى عجز المادة (٩٧) من الدستور الحالى على أنولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعى، فقد دل على أن هذا الحق فى أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد العدوان على حقوقهم والدفـــــاع عـــــن مصالحهـــــم الذاتيـــــة، وأن الناس جميعًا لا يتمايـــــزون فيمـــــا بينهـــــم فى مجــــال حقهــــم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعى، ولا فى نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية، ولا فى مجال التداعى بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغى دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة، ســــواء فى مجال اقتضائها أو الدفــــاع عنها أو الطعن فى الأحكام التى تصدر فيها. وكان مجلس الدولة قد غدا فى ضوء الأحكام المتقدمة قاضى القانون العام، وصاحب الولاية العامة، دون غيره من جهات القضاء، فى الفصل فى كافة المنازعات الإدارية، عدا ما استثناه الدستور ذاته بنصوص صريحة ضمنها وثيقته.
وحيث إن الدستور الحالى قد نص فى مادته (٧٦) على أن إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم فى رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم. كما نص فى المادة (٧٧) منه على أن ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطى، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم المهنى، وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية......
وحيث إنه باستعراض أحكام القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٦٩ المشار إليه يتبين أنه أنشأ نقابة للأطباء البيطريين فى البلاد مقرها القاهرة، تتوافر لها جميع مقومات النقابات المهنية، ومنحها الشخصية الاعتبارية، وأجاز إنشاء فروع لها فى المحافظات، وحدد كيفية تشكيلها، وعضويتها، وأهدافها، وجداول القيد وشروط العضوية، مبينًــا ما للطبيب البيطرى من حقوق، وما عليه من واجبات والتزامات يخضع لها فى أدائه لعمله. ومؤدى ذلك أن نقابة الأطباء البيطريين تعتبر من أشخاص القانون العام، وهى مرفق عام مهنى، وقد منحها قانون إنشائها قدرًا من السلطة العامة فى مجال مباشرتها لأعمالها، بما لازمه أن الطعن فى صحة انعقاد الجمعية العمومية، والانتخابات المتعلقة بتشكيل مجلس النقابة، التى تتصل فى حقيقتها ببنيان النقابة، والأجهــــــزة القائمــــــة على تسيير شئونها، تُعد جميعهــــــا بهذا الوصف منازعــــــات إدارية بطبيعتها. ومن ثم، ينعقد الاختصاص بنظرها حصرًا لمجلس الدولة، بهيئة قضاء إدارى، إعمالاً لنص المادة (١٩٠) من الدستور، والمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان صدر نص الفقرة الثانية من المادة (٣٥) من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٦٩ المشار إليه، قد عهد بالاختصاص بالفصل فى الطعن فى صحة انعقاد الجمعية العمومية لنقابة الأطباء البيطريين وتشكيل مجلس النقابة، إلى محكمة النقض – بناء على تقرير يقدم إلى قلم كتاب تلك المحكمة - على الرغم من أن هذه المنازعة تدخل فى عداد المنازعات الإدارية بطبيعتها، لتعلقها بمرفق عام مهنى يتمتع بقدر من السلطة العامة، فإن مسلك المشرع على هذا النحو يكون مصادمًا لأحكام الدستور، الذى أضحى بمقتضاه مجلس الدولة، دون غيره، هو صاحب الولاية فى المنازعات الإدارية، وقاضيها الطبيعى. ومن ثم، يمثل هذا النص اعتداءً على استقلال القضاء، وانتقاصًـــا من اختصاص مجلس الدولة، فوق كونه يمثل خروجًـــا من المشرع عن نطاق التزامه الدستورى المقرر بمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة (٩٢) من الدستور، التى وضعت قيدًا عامًــا على سلطة المشـــــرع فى مجـــــال تنظيم ممارســـــة الحقـــــوق والحريات، بألا يقيدهـــــا بما يمس أصلها وجوهرها، بما يوقع هذا النص فى حومة مخالفة نصوص المواد (٩٢، ٩٤ و٩٧ و١٨٤ و١٩٠) من الدستور.
وحيث إن المادة (١٨٧) من الدستور تنص على أن جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم فى جلسة علنية، بما لازمه أن الأصل فى نظر الدعوى أمام المحكمة المختصة أن يكون فى جلسة علنية، واستثناءً من ذلك الأصل، أجاز المشرع الدستورى نظر الدعوى فى جلسة سرية، استجابة لاعتبارات النظام العام أو الآداب، وجعل تقدير ذلك للمحكمة المختصة. إلا أنه قد استوجب، فى جميع الأحوال، النطق بالحكم فى جلسة علنية. لما كان ذلك، وكان نص الفقرة الثانية من المادة المحالة قد جعل فصل المحكمة فى الطعن فى جلسة سرية، وجاء هذا الحكم عامًا مطلقًا ليشمل نظر الدعوى والفصل فيها، دون التزام الضوابط التى قررها الدستور فى هذا الشأن، فإنه يكون مصادمًا لنص المادة (١٨٧) من الدستور.
وحيث إن البيّن من نص الفقرة الأولى من المادة (٣٥) من القانون المشار إليه أن شرطيــــــــن يتعين توافرهـــــما معًا لجواز الطعن فى صحة انعقاد الجمعية العمومية، أو فى تشكيل مجلس النقابة، أولهما: أن يكون هذا الطعن مقدمًا من خمسين عضوًا على الأقل ممن حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة، ليكون انضمامهم إلى بعض نصابًــا عدديًــا للطعن، فلا يقبل بعدد أقل. ثانيهما: أن يكون الطعن على قراراتها مستوفيًا شكلية بذاتها، قوامها تصديق الجهة الإدارية المختصة على توقيعاتهم على تقرير الطعن.
وحيث إن الشرطين المتقدمين ينالان من حق التقاضى، ويعصفان بجوهــــــــره، وعلى الأخص من زاويتين، أولاهمــــــــــا: أن الدســــــــتور كفل للنـــاس جميعًـــا – بنص المــــــادة ٩٧ منه – حقهم فى اللــــجوء إلى قاضيهم الطبيعى، لا يتمايــــــــزون فى ذلك فيما بينهم، فلا يتقدم بعضهم على بعض فى مجال النفاذ إليه، ولا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال إنكاره أو عن طريق العوائق الإجرائية أو المالية التى يحاط بها ليكون عبئًا عليهم، حائلاً دون اقتضاء الحقوق التى يدعونها، ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها، ذلك أنهم يتماثلون فى استنهاض الأسس الموضوعية التى نظم المشرع بها تلك الحقوق لضمان فعاليتها، فقد كفل الدستور لكل منهم – سواء أكان شخصًا طبيعيًّا أم معنويًّا – الحق فى الدعوى، ليكون تعبيرًا عن سيادة القانون ونمطًـــا من خضوع الدولة لقيود قانونية تعلوها، وتكون بذاتها عاصمًا من جموحها وانفلاتها من كوابحها، وضمانًا لردها على أعقابها إن هى جاوزتها، لتظهر الخصومة القضائية بوصفها الحماية التى كفلها القانون للحقوق على اختلافها، وبغض النظر عمن يتنازعونها، ودون اعتداد بتوجهاتهم، فلا يكون الدفاع عنها ترفًا أو إسرافًا، بل لازمًـــا لاقتضائها وفق القواعد القانونية التى تنظمها. ثانيتهما: أن الخصومة القضائية لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها اجتناء منفعة يقرها القانون، تعكس بذاتها أبعاد الترضية القضائية التى يطلبها المتداعون، ويسعون للحصول عليها تأمينًا لحقوقهم. وهم بذلك لا يدافعون عن مصالح نظرية عقيمة، ولا عن عقائد مجردة يؤمنون بها، ولا يعبرون فى الفراغ عن قيم يطرحونها، بل يؤكدون من خلال الخصومة القضائية تلك الحقوق التى أُضيروا من جراء الإخلال بها، ويندرج تحتها ما يكون منها متعلقًا بمجاوزة نقابتهم للقيود التى فرضها الدستور عليها، لتنفصل حقوقهم هذه، عن تلك المصالح الجماعية التى تحميها نقابتهم بوصفها شخصًا معنويًا يستقل بالدفاع عنها فى إطار رسالتها وعلى ضوء أهدافها والقيم التى تحتضنها، وهو ما يعنى أن تأمينها لمصالح أعضائها – منظورًا إليها فى مجموعها – لا يعتبر قيدًا على حق كل منهم فى أن يستقل عنها بدعواه التى يكفل بها حقوقًــا ذاتية يكون صونها ورد العدوان عنها، متصلاً بمصلحته الشخصية المباشرة، ليتعلق بها مركزه القانونى الخاص فى مواجهة غيره، فلا ينال من وجوده – ولو بنص تشريعى – قيد تقرر دون مسوغ.
وحيث إن الطعـــــــــــن على قــــــــرار معين – كلما توافر أصـــــل الحـــــــق فيه – لا يجوز تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التى يقتضيها تنظيـــــم هذا الحـــــق، وإلا كان القيد مضيقًا من مداه أو عاصفًا بمحتواه، فلا يكتمل أو ينعدم. وكان حق النقابة ذاتها فى تكوينها على أسس ديمقراطية، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها فى الدفاع عن مصالح أعضائها، وإنمائها للقيم التى يدعون إليها فى إطار أهدافها، ووعيها بما يعنيهم، ومراجعتها لسلوكهم ضمانًا لصون الأسس التى حددها الدستور بنص المادة (٧٦) منه، وإن كان كافلاً لرسالتها محددة على ضوء أهدافها، وبمراعاة جوهر العمل النقابى ومتطلباته، فإن انحرافها عنها يقتضى تقويمها، ولا يكون ذلك إلا بإنزال حكم القانون عليها، باعتباره محددًا لكل قاعدة قانونية مجالاً لعملها، ومقيدًا أدناها بأعلاها، فلا تكون الشرعية الدستورية والقانونية إلا ضابطًــا للأعمال جميعها، محيطًا بكل صــــــورها، ما كان منها تصرفًا قانونيًا أو متمحضًــا عملاً ماديًــا، فلا تنفصل هذه الشرعية عن واقعها، بل ترد إليها أعمال النقابة وتصرفاتها جميعًا، ليكون تقويمها حقًا مقررًا لكل من أعضائها، بقدر اتصال الطعن عليها بمصالحهم الشخصية المباشرة.
بيد أن نص الفقرة الأولى من المادة (٣٥) من القانون المشار إليه قد نقض هذا الأصل، حين جعل للطعن فى صحة انعقاد الجمعية العمومية أو فى تشكيل مجلس النقابة، نصابًا عدديًا، فلا يقبل إلا إذا كان مقدمًا من خمسين عضوًا على الأقل ممن حضــــــــروا اجتمــــاع الجمعيــــة العمومية للنقابة، ليحول هــــذا القيــــد – بالنظر إلى مداه – بين من يسعون لاختصامها من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قبلها، يقيمها استقلالاً عن غيره، ويكون موضوعها تلك الحقوق التى أخل بها القرار المطعون فيه، التى لا يقوم العمل النقابى سويًا بدونها. وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهم أو تغض بصرها عنها، فلا تتدخل لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقًا. وقد افترض النص التشريعى المحال كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية – الذين جعل من عددهم نصابًــا محتومًــا للطعن فى قراراتها – متحدون فيما بينهم فى موقفهم منها، وأنهم جميعًــا قدروا مخالفتها للدستور أو القانون، وانعقد عزمهم على اختصامها تجريدًا لها من آثارها وتعطيلاً للعمـــــل بهــــــــــا، لتتخلى نقابتهم عنها. وهـــــو افتراض قلمًــا يتحقـــــق عمليًّـــــا، ولا يتوخى واقعًــا غير مجرد تعويق الحق فى الطعن عليها من خلال قيود تنافى أصل الحق فيه، ليكون أفدح عبئًــا، وأقل احتمالاً.
وحيث إن البيّن كذلك من النص المشار إليه، أن الطعن فى القرارات السالفة البيان – ولو كان مكتملاً نصابًا – يظل غير مقبول إذا كان من قدموه غير مصادق على توقيعاتهم من الجهة الإدارية ذات الاختصاص. وكان ما توخاه المشرع بذلك، أن يكون هذا التصديق إثباتًا لصفاتهم، فلا يكون تقرير الطعن مقدمًا من أشخاص لا يعتبرون أعضاء فى النقابة، ولا من أشخاص يتبعونها، ولكنهم تخلفوا عن حضور جمعيتها العمومية. وكان التصديق وإن تم فى هذا النطــــاق، وتعلق بتلك الأغراض، يظــــل منطويًــا على إرهاق المتقاضين بأعباء لا يقتضيها تنظيم حق التقاضى، بل غايتها أن يكون الطعن أكثر عسرًا من الناحيتين الإجرائية والمالية. وكان هذا القيد مؤداه كذلك، أن تحل الجهة الإدارية محل محكمة الطعن فى مجال تثبتهـا من الشــــروط التى لا يقبل الطعن من الخصوم إلا بها – وتندرج صفاتهم تحتها – باعتبار أن تحقيقها وبسطها لرقابتهــــــا على توافرهــــــا أو تخلفهــــــا، مما يدخل فى اختصاصها، ولا يجوز بالتالى أن تتولاه الجهة الإدارية، وإلا كان ذلك منها عدوانًا على الوظيفة القضائية التى اختص المشرع غيرها بها، وانتحالاً لبعض جوانبها، وباطلاً لاقتحام حدودها.
وترتيبًــا على ذلك، فإن الشروط التى تضمنها نص الفقرة الأولى من المادة (٣٥) من القانون المشار إليه، تغدو مصادمة لنصوص المواد (٧٦، ٧٧، ٩٢، ٩٤، ٩٧، ١٨٤، ١٩٠) من الدستور.
وحيث إنه لما تقدم جميعه، فإنه يتعين القضاء بعدم دستورية المادة (٣٥) من القانـــــون رقـــــم ٤٨ لسنة ١٩٦٩ بشـــــأن نقابـــــة الأطبـــــاء البيطرييـــــن، فيما نصت عليه من أن لخمسين عضوًا على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية الطعن فى صحة انعقادها أو فى تشكيل مجلس النقابة، بتقرير موقع عليه منهم، يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة، وتفصل محكمة النقض فى الطعن فى جلسة سرية . وسقوط باقى أحكام تلك المادة، لارتباطها بما قُضى بعــــــدم دستوريته من نصها، ارتباطًا لا يقبــــــل الفصل أو التجزئة، بحيث لا يمكن فصلها أو تطبيقها استقلالاً عنها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (٣٥) من القانـــــون رقم ٤٨ لسنة ١٩٦٩ بشــأن نقابة الأطباء البيطريين، فيما نصت عليه من أن لخمسين عضوًا على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية، الطعن فى صحة انعقادها أو فى تشكيل مجلس النقابة، بتقرير موقع عليه منهم يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة، وتفصل محكمة النقض فى الطعن فى جلسة سرية، وسقوط باقى أحكام تلك المادة.